الخميس، 20 يونيو 2013

مفهوم الحقيقة





الحقيقة في أقرب مفهومها هي الوجود الماثل في الكون المسيطر على نبض الحياة وشئونها ، فإذا سادت الفضيلة في الحياة كان الحق والخير والجمال هدفا نفسيا ومعنويا لكل مختاراتنا الحسية والمعنوية على السواء ، وإذا سادت الرذيلة في الحياة كانت كل مختاراتنا من معدنها الزائف ، ولا تموت الرذيلة في سيادة الفضيلة بل تنزوي حتى يخلع أصحابها هيبتها من نفوسهم ، ولا تموت الفضيلة في سيادة الرذيلة لكن الرذيلة تلبس ملابسها ووتتزيا بزيها وتنطق بكلماتها ، وتأكل على موائدها وتتقدم في منابرها ، وهي روح قد يتميز بها جنس من البشر لكنها ليست حكرا عليه ، وهنا يتوه الحليم في التمييز بين الحق والباطل ، ويعصف هذا التوهان بالإنسان عندما يكون التلبيس والتوهيم والتغييب في ذاته هدفا له ، وعندما يكون العقل ذاته وجودا يعاقب عليه الإنسان ، فلا جنون الرذيلة تهدأ ثورته في اسبدادها بالحياة ، ولا العقل يصحو من غفوته ليبصر زيفها من صحيحها .
ولا شك أن علاج ذلك يكون على الانسان لا سعلى سواه في المقام الأول ، فلا بد للمرء أن يخلد إلى نفسه عن كل من حوله وهي خلوة لا يفترض وجودها في صومعة فقد انتهت الصوامع إلى غير رجعة ، ولا يفترض وجودها خصام من حولك فذلك مما يعجل الكارثة ، فالهجر الجميل عن الجماعة ؛ وهو ما لا يأخذك فيه مأخذ هو أهم الوسائل لتحقيق غرضك ، والهدف من الخلوة عن الناس هو الخلوص عن الفكر المسيطر عليهم فلا يكون جزءا منك ولا أنت جزء منه ثم تركن إلى نفسك أنت وتسمعها وتثق في عقلك أنت وتطمئن إليه ، وإذا لم تركن إلى نفسك وتطمئن إلى عقلك فلا اقترب منك عاقل ولا وثق فيك أريب ولا عرفت حقا من باطل ، وبعد هذا الركون إلى النفس والثقة بها تنظر إلى هذه الحقائق عن بُعد منك وتقسمها حتى لا تجتمع عليك جملة تقسيما موضوعيا أو نوعيا أو شخصيا حسب طبيعتها ، وتحكم على كل موضوع أو نوع أو شخص على حدة ثم بعد ذلك كله تحكم على نيله منك أو نفعه لك على السواء ، ولا تنظر في هذا الاطار إلى النفع العام الذي يمكن مطروحا في الطريق وإنما النظر يكون في المتميز به هذا الموضوع أو النوع أو الشخص عن سواه فإذا زاد حجم الضرر على النفع يكون الخطر ويكون منك الحكم الملائم له ، فمن قلّ نفعه وزاد خطره لا يُؤمن ولا يُؤتمن على الحياة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق