الجمعة، 21 يونيو 2013

الحقيقة والأسطورة (1)






كثيرا من النابهين يستخدمون الحقيقة في مقابل الوهم ، مع أن الوهم مجرد عَرَض للأسطورة التي يمكن وحدها أن تقابل الحقيقة ، والوهم أول عَرَض من أعراض الأسطورة ، وإذا ترسَّخت الأسطورة بشكلها الفوضوي على الإنسان انتقلت مخاطرها وأعراضها من الوهم إلى التَّوهُّم ، والفرق بينهما أن المرء يتلقى الأول ، فإذا استطابه وتفرغ له صار الوهم توهُّما ، والتوهم بعدها هو الخطوة الأولى في نهاية التاريخ للأفراد والأمم والجماعات .
وبين الحقيقة والأسطورة يعيش الإنسان ويحيا ، ولقد عاشت الأسطورة مع المرء في الزمن الأول ، لكن التخلص منها كان بداية التاريخ ، وبالتالي تكون العودة إليها نهايته ، ومن السذاجة أن نظن أن بين الأسطورة والحقيقة شعرة تفصل بينهما ، كما أن ذلك بين الجنون والعبقرية ، فالعبقرية في وجودها تُجالِد مناخا غير موات لها قد استقرت معاييره وقيمه ، وهو مناخ فاسد دون شك ، لكن نجاحها يتوفر في الضياء الذي تكون عليه هذه العبقرية والتي ترى به المصلح من المفسد بينهما سواه يراه غير ذلك ، وهو ما لا يتوفر للخلق الذين يرغبون الحقيقة عن الأسطورة أو الأسطورة عن الحقيقة ، فبين الحقيقة والأسطورة السماء والأرض والليل والنهار والأبيض والأسود ، فهما لا يجتمعان في نفس أو أمة أبدا كذلك لا يرتفعان عنهما أبدا .
وكلٌ إمَّا حقيقة أو أسطورة ، ولا يعيب كل شيء أن يقع بينهما طالما أن الأنسان موجود ، وأقل شيء تكون مثل أعظمها في ذلك ، ولا يمنع عن ذلك إلا جبن العقل البشري في الوقوف على الأشياء وخوفه من التفكير لا لعدم ثقته في نفسه ، وإنما لخوفه من تحمل النتائج المترتبة على هذا التفكير ، وهو في الحقيقة خوفه من تحمل مسئولية كونه إنسانا وهي مسئولية قد تشقى الإنسان باصطدامها مع تناقضاتها في الحياة لكنها تسعده في الشعور بها والأنس بضيائها حتى لو كانت نتائجه في الحياة بالنسبة لسواه محدودة ، لكنه يتضاعف من حيث أن هذا المحدود الذي معه من الذهب والأحجار الكريمة بينما سواه لا يمكن وصفه بالصفيح أو الخردة ففيهما إثم كبير ومنافع للناس .
ولقد خضعت الألوهية ذاتها بين الناس للحقيقة والأسطورة في الزمن البعيد ، ولم يقلل ذلك منها فيمنع عن الناس الخير أو الرسل ، ولم يكن تفحش الأسطورة حولها عاملا للغضب أو انتفاء المرض وزواله فدوام الحال دائما من المحال ، فكما يسود المرض ينقشع ، وتكون قوة التدنى في قوة الارتقاء سواء بسواء وتكون قوة الجهل في قوة المعرفة سواء بسواء . ( يُتبَع )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق